مقال | البصمة الرقمية: كيف تحولك الشركات إلى سلعة دون أن تعلم؟
هل تعلم أن كل نقرة على هاتفك، وكل بحث على قوقل، وكل إعجاب على إنستغرام يترك أثراً رقمياً لا يُمحى؟ هذا الأثر يُسمى “البصمة الرقمية“، وهو أشبه بشفرة خفية تُخبر الشركات عنك أكثر مما تعرفه أنت عن نفسك!
في هذا التحقيق، سنكشف كيف تُجمع هذه البصمة، ولماذا تُباع بياناتك بأموال طائلة، وما الذي يمكنك فعله لحماية نفسك في عالم أصبحت الخصوصية فيه سلعة نادرة.
في البداية : ما هي البصمة الرقمية؟
البصمة الرقمية هي مجموعة بيانات فريدة يتم تركها أثناء استخدامك للإنترنت، مثل: نوع جهازك، إعدادات المتصفح، المواقع التي تزورها، وحتى سلوكك في النقر والكتابة.
تجمعها الشركات عبر الكوكيز والتقنيات الخفية لتوجيه إعلاناتك، تحليل اهتماماتك، أو بيعها لجهات أخرى. وتستطيع معرفة اهم هذه البصمات عن طريق النقاط التالية:
1. بصمتك ليست مجرد “كوكيز”
الكوكيز (ملفات تعريف الارتباط) هي الجزء الظاهر من جبل الجليد. البصمة الرقمية أعمق بكثير:
- معلومات جهازك: نوع الهاتف، دقة الشاشة، إصدار نظام التشغيل، وحتى درجة سطوع الشاشة!
- سلوكياتك: الوقت الذي تقضيه في كل صفحة، طريقة تحريك الماوس، سرعة الكتابة.
- التقنيات الخفية: مثل “بصمة Canvas“ التي ترسم رسوماً مخفية لقياس أداء جهازك (اكتشفها بنفسك عبر أداة EFF).
وتستطيع التعرف اكثر عن “ملفات الكوكيز” من خلال مقالة سابقة لنا حيث قمنا بشرحها بطريقة يمكنك التعرف عليها وفهمها اذا كنت مفهتم بذلك.
2. لماذا أنت فريد؟ قصة الأرقام التي لا تتكرر
لو كان لديك هاتف آيفون 14 مع إصدار iOS 16.5، فهناك 12 مليون جهاز مشابه ، وكذلك الامر في اجهزة الاندرويد يوجد عدد مهول منها اذا كيف الشركات تعرفك انت ! والجواب يكمن في النقاط التالية:
- الإضافات المثبتة (مثل AdBlock).
- الخطوط المُستخدمة في المتصفح.
- إعدادات اللغة والمنطقة.
جميع هذه الاشياء المذكورة تجعل بصمتك فريدة بنسبة 99.9%، وتستطيع قراءة لدارسة اصدرة في عام 2023 عن هذه الاومور جامعة لايبزيغ 2023.
ادوات التجسس : كيف تستطيع الشركات جمع بصمتك الرقمية؟
1. التتبع المباشر: الكوكيز وأخواتها
- الكوكيز الطرف الثالث: تُزرعها مواقع مثل فيسبوك في متصفحك حتى لو لم تزُر فيسبوك مباشرة!
- Local Storage: ذاكرة تخزين دائمة تظل حتى لو حذفت الكوكيز.
- بكسل التتبع: صورة خفية حجمها 1×1 بكسل تُنشط عند فتح إيميل أو إعلان (مثل تلك التي يرسلها موقع “علي بابا”).
2. التتبع الخفي: عندما يصبح جهازك جاسوساً
- بصمة الجهاز (Device Fingerprinting):
تجمع 50+ نقطة بيانات من متصفحك (مثل: إعدادات JavaScript، سعة البطارية، وجودة الصوت) لإنشاء رمز فريد.
مصدر تقني: بحث من Usenix Security 2024. - تتبع عبر الأجهزة: إذا استخدمت هاتفك للبحث عن سيارات، ثم فتحت اللابتوب. ستعرف غوغل أنك نفس الشخص! وذلك بكل بساطة لانك تستخدم نفس البريد الاكتروني على كلا الجهزين.
3. أدوات لا تخطر على بال: حتى الواي فاي يتجسس!
- شبكات الواي فاي العامة:
عند الاتصال بشبكة مقهى، يمكن للشركات تتبع عنوان MAC الخاص بجهازك (مثل بصمة الهاتف) لمراقبة تحركاتك، حتى لو لم تفتح أي تطبيق!
ويعني ذلك مراقبة خط سيرك يعني ذلك انه يتم التعرف على ان المستخدم غادر المنزل وقام بالذهاب الى المقهى الفلاني وكم من الوقت استغرق فيه.
والمصيبة الاكبر انه من خلال هذه الشبكة ايضا يستطيعو معرفة انك قمت بالجلوس مع اشخاص محددين اذا كانو متصلين بنفس الشبكة!!
مصدر: MIT Technology Review 2023.
- الميكروفون الخفي:
بعض تطبيقات التسوق (مثل شوبيفاي) تستخدم الميكروفون لتحليل الأصوات المحيطة بك. هل ذكرتَ رغبتك في شراء دراجة؟ استعد لإعلانات “هوندا”!
السوق السوداء : من يشتري بصمتك الرقمية؟
1. الإعلانات الموجهة: لماذا الإعلان يعرفك أكثر من ولدتك؟
- آلية المزاد اللحظي (Real-Time Bidding):
عندما تزور موقعاً لإعلانات السيارات، تُرسل بصمتك إلى منصات مثل Google Ads، حيث تتنافس شركات مثل تويوتا وبي إم دبليو على عرض إعلان لك. في أقل من ثانية!- سوق هذه الإعلانات وصل إلى $280 مليار في 2023 (Statista).
2. البيانات السياسية: كيف تُشترى أصوات الناخبين؟
- فضيحة كامبريدج أناليتيكا 2.0:
في انتخابات البرازيل 2018، استُخدمت بيانات 120 مليون مستخدم على واتساب لاستهدافهم بإعلانات مُضللة، مثل:- من يشاهد الفيديوهات ليلاً → يُعتبر “قلقاً” → يُرسل له إعلانات عن “خطر الاشتراكية“.
- من يفتح الإعلانات بسرعة → يُصنف “مهتماً” → يُرسل له محتوى مُكثف.
مصدر: Folha de São Paulo 2018.
تخيل معي ان يتم ذلك في بلد معين وكيف يتم تحليل سلوك الاشخاص بعناية وتوجيه الى امر معين مثل الانتخابات ، تستطيع البحث عن القضية اكثر ومعرفة تفاصيلها .
3. البيانات الصحية: عندما تصبح أمراضك سلعة
- تطبيقات اللياقة البدنية:
وجدت دراسة من جامعة هارفارد (2019) أن 70% من تطبيقات مثل “MyFitnessPal” تبيع بياناتك (مثل وزنك، أمراضك) لشركات التأمين!- النتيجة؟ قد ترفض شركة التأمين تعويضك إذا اكتشفت أنك لا تمارس الرياضة! المصدر “جامعة هارفارد“.
اشياء واقعية : انتهاكات صادمة؟
1. تيك توك: التطبيق الذي يعرفك أكثر من نفسك
- في 2023، كشف تحقيق لـ فوربس أن تيك توك يجمع بيانات حساسة مثل:
- IMEI (رقم تعريف الهاتف الفريد).
- قائمة شبكات الواي فاي المتصلة بها.
- نمط الكتابة (لتحديد حالتك المزاجية).
مصدر: Forbes 2023.
2. فيسبوك: عندما تكون “الصداقة” نقمة
حتى إذا لم تكن لديك حساب على فيسبوك، فإن التطبيق يبني ملفاً عنك عبر:
- جهات الاتصال في هاتف أصدقائك.
- الصور التي تُشارك في مجموعات واتساب.
- وهناك بعض الوثائق التي تم الكشف عنها في عام 2021 تستطيع قرائها (The Guardian).
حرب الخصوصية : كيف تحمي نفسك؟
1. أدوات مجانية يجب أن تستخدمها الآن
- متصفح Brave: يحجب تتبع الإعلانات وبصمة Canvas تلقائياً ، وتسطيع التعرف عن المتصح اكثر من هنا.
- إضافة Privacy Badger: تكتشف وتُعطل أدوات التتبع الخفية وتستطيع التعرف عليه من هنا .
- VPN: لإخفاء عنوان IP وقد سبق لنا التحدث ايضا عن تسريب موقعك الجغرافي رغم استخدامه وماهي خطوات تفادي ذلك .
2. إعدادات هاتفك السرية
- أندرويد:
اذهب إلى الإعدادات → الخصوصية → إعلانات ← إعادة تعيين معرف الإعلان (كل أسبوع). - آيفون:
عطِّل الإعلانات المخصصة من الإعدادات → الخصوصية → تتبع.
وتذكر ان هذه الخطوات ليست كافية ولكن لتخفيف من حدة الامر حيث لاتكون هدف سهل لشركات الاعلانات .
3. استخدام بروتوكولات امنة؟
- مثل التطبيقات التي تم بنائها على بروتوكول ماتركس، وقد سبق لنا الحديث عنه “بروتوكول ماتركس“.
مستقبل البصمة الرقمية : هل سنتحرر ؟
1. التشريعات العالمية: أمل أم وهم؟
- الاتحاد الأوروبي:
قانون GDPR يفرض غرامات تصل إلى 4% من إيرادات الشركات، لكن 60% من الشركات لا تزال تنتهكه. وتستطيع معرفة جميع الغرمات المفروضة على الشركات من خلال موقع “enforcementtracker“.
- الولايات المتحدة:
ولايات مثل كاليفورنيا تطبق قانون CCPA، لكنه يسمح للشركات ببيع بياناتك إذا “وافقت بشكل غير مباشر“! واعتقد ان القانون تم وضعه فقط لايهام الناس انه يوجد رقابة على الشركات فقط.
2. تقنيات واعدة: هل سيُعادل العلم الضرر؟
- الهوية الرقمية الموحدة:
مشروع eIDAS 2.0 الأوروبي سيتيح لك تسجيل الدخول إلى المواقع دون الكشف عن بصمتك.
الخاتمة:
الشركات تخشى شيئاً واحداً: وعيك. كلما زاد عدد الأشخاص الذين يفهمون خطر البصمة الرقمية، زاد الضغط لتغيير القواعد. ابدأ اليوم. أغلق إعدادات التتبع، وتذكر: بياناتك هي أنت. لا تبيع نفسك برخص.
مصادر إضافية للتحقق:
- كتاب “Surveillance Capitalism“ لـ Shoshana Zuboff (يشرح كيف حوّلت غوغل وفيسبوك الحياة إلى سوق بيانات).
- وثائقي “The Great Hack” (نتفليكس) عن فضيحة كامبريدج أناليتيكا.