اخبار | ميتا والاحتلال : كيف شكلت سياسات الحذف والإعلانات سردية الحرب على غزة؟
منذ خريف 2023 أصبح محتوى منصّات ميتا والاحتلال “فيسبوك وإنستغرام ” مسرحًا لجدل عالمي حول رقابة المحتوى وحرية التعبير.
تقارير وتسريبات داخلية وتقارير من منظمات حقوقية وصحف دولية تكشف نمطًا من الإجراء السريع لطلبات الحذف المقدمة من دولة الاحتلال.
وتزامنًا مع ذلك ظهور إعلانات مدفوعة تسوّق نشاطات ومجموعات مرتبطة بالاحتلال. النتائج: تضييق متكرر للمحتوى المؤيد لفلسطين مع تسهيل أدوات لجمع تبرعات لصالح جهات عسكرية إسرائيلية — كل هذا على منصات تَدّعي الحياد.
بداية القصة : فيديو من قلب جباليا
في يونيو 2025 ظهر مقطع فيديو صادم على فيسبوك يظهر فيه جندي إسرائيلي يقول: “نحن فريق القناصة لوحدة شاكر، نحتاج إلى حوامل إطلاق نار لإكمال مهمتنا في جباليا“
داعياً الناس للتبرع لشراء معدات قتالية. لم يكن هذا الفيديو استثناءً، بل كان واحداً من أكثر من 100 إعلان مدفوع رصدتها منظمة Eko منذ مارس 2025.
هدفها جمع تبرعات لشراء معدات عسكرية لصالح جيش الاحتلال. الأخطر أن هذه الإعلانات خالفت سياسات ميتا المعلنة التي تحظر جمع الأموال لشراء أسلحة، ومع ذلك استمرت بالظهور كإعلانات ممولة على فيسبوك وإنستجرام.
سياسات الشركة المعلنة : مقابل الواقع !
تدّعي ميتا أنها تتبع سياسة “الحياد” في إدارة المحتوى، إلا أن الأرقام والوثائق تشير إلى العكس. وفقاً لوثائق حصل عليها Dropsite News, استجابت ميتا لـ94% من طلبات حكومة الاحتلال لحذف محتوى خلال 2024-2025.
ومعظمها منشورات من خارج دولة الاحتلال، خاصة من الدول العربية مصر والأردن وفلسطين والجزائر واليمن والسعودية. متوسط زمن الاستجابة كان 30 ثانية فقط!، ما يعكس نمط تنفيذ شبه آلي دون مراجعة دقيقة.
كيف تعمل الآلية : من الطلب الى الحذف
قنوات مفضلة للحكومات: الطلبات الإسرائيلية تُرسَل عبر قنوات رسمية مخصّصة داخل ميتا، وتُعطى أولوية تنفيذية. التسريبات تشير إلى بروتوكولات تعامل مميزة لهذه الطلبات.
نصوص تصنيف موحّدة: كثير من طلبات الحذف تُقدّم بصياغات معيارية تشير إلى خروقات لقوانين محلية (مثل “تحريض” أو “إرهاب”) دون وصف دقيق للمادة، ما يسهل تنفيذها آليًا.
أدوات آلية وخوارزميات: الاعتماد على نماذج آلية مدرَّبة على بيانات سابقة للحذف يؤدي إلى تضخيم التحيز؛ أي أن بيانات الحذف نفسها تغذي الخوارزميات فتعيد إنتاج نمط استهداف المحتوى نفسه.
أمثلة موثقة : وردت في تقارير صفحية ومنظمات
1- حالات استعادة محتوى: رويترز وثّقت حالة استعادة منشورات وسائل إعلام ماليزية بعد حذفها واحتجاج الحكومة الماليزية، ما يوضّح أخطاء في نظام الإنفاذ أو الإفراط في الحذف الآلي. Reuters
2- تقارير حقوقية: Human Rights Watch وثّقت حالات “قمع منهجي” لمحتوى فلسطيني، وخلصت إلى أن الإجراءات آيلة لحدوث رقابة غير مبررة بدنياً. مراقبة حقوق الإنسان.
3- أدلة ميدانية وتقنية: تقرير 7amleh يُقدّم ملف PDF مفصّلًا بعنوان “Erased and Suppressed” يشرح حالات حجب، منهجية إنفاذ، وتأثيرات على الوصول والانتشار. 7amleh.org.
4- لإعلانات المدفوعة: تحقيقات صحفية — من بينها تقارير للجزيرة والغارديان — كشفت وجود إعلانات تروّج للمستوطنات أو لجمع تمويل لأنشطة متصلة بالجيش/المستوطنين، ما يثير تساؤلات حول تطبيق قواعد الإعلانات. Al Jazeera+1.
من ادخل الشركة : علاقات شخصية ومراكز تأثير
تحقيقات صحفية (mondediplo.com) تناولت شخصيات داخل الشركة كانت لها علاقات سابقة بالدوائر الاحتلال أو بالمؤسسات الأمنية.
ووصفت كيف أن هذا الوجود قد يُسهِم في ربط مصالح دولة الاحتلال بآليات صنع القرار داخل ميتا. هذا لا يعني بالضرورة تآمرًا ممنهجًا، لكنه يوضح وجودًا مؤسساتيًا ذا ثقل.
ممثل شرعي داخل الشركة : مؤظف لدولة الاحتلال!
من أبرز الأمثلة على هذا النفوذ تعيين جوردانا كاتلر عام 2016 كموظفة رسمية داخل ميتا، بمنصب مديرة سياسات إسرائيل والشتات اليهودي.
قبل انضمامها للشركة، شغلت كاتلر منصب مستشارة سياسية في حزب الليكود وعملت في السفارة الإسرائيلية في واشنطن.
صرحت كاتلر في مقابلات عدة أنها “تمثل الشعب الإسرائيلي داخل فيسبوك“، وأكدت أن إدارة الشركة تستجيب لطلبات الحكومة ! بحذف المحتوى.
وجود هذا المنصب الرسمي داخل الشركة، الذي يمثّل دولة بعينها، غير مسبوق ويطرح أسئلة جوهرية حول حياد ميتا ومصداقية سياساتها.
اقتباس مباشر من كاتلر: “مهمتي هي التأكد من أن صوت إسرائيل مسموع وأن بيئة فيسبوك آمنة لمستخدميها الإسرائيليين“ — تصريحها يعكس دورها الرسمي الذي يمتد لتشكيل سياسات الشركة بما يخدم مصالح دولة واحدة.
خوارزميات ميتا : دائما ضد فلسطين
حسب وثائق داخلية نشرها The Intercept, عدّلت ميتا خوارزميات إنستجرام وفيسبوك في أكتوبر 2023 لتقييد انتشار المحتوى المؤيد لفلسطين.
ما أدى إلى انخفاض وصول وسائل الإعلام الفلسطينية بنسبة 77% في حين ارتفع التفاعل مع وسائل الإعلام الإسرائيلية بنسبة 37%. الشركة بررت ذلك بأنه “إجراء مؤقت“، لكن الوثائق أظهرت أن القيود استمرت لأشهر.
وهذا الخناق لا يكفي وقد قامت الشركة ايضا بمراقبة كلمات مثل “صهيوني” وكذلك العديد من الكلمات حيث وضعة عليها شروط صارمة تودي الى حذف المنشور تلقائياً حسب تحقيق “The Intercept“.
ازدواجية المعايير دائما
في حين تحذف ميتا منشورات تغطي لقاءات سياسية مع شخصيات فلسطينية (مثل لقاء رئيس وزراء ماليزيا أنور إبراهيم مع إسماعيل هنية).
فإنها تسمح بإعلانات ممولة تدعم المستوطنات غير القانونية في الضفة الغربية. هذا التناقض دفع منظمات مثل هيومن رايتس ووتش وAccess Now لاتهام ميتا بانتهاك حق حرية التعبير بشكل ممنهج.
أصوات من داخل : شركة ميتا نفسها
تقارير Wired وWSJ كشفت عن انقسامات داخلية في ميتا، حيث عبّر موظفون عن استيائهم من الرقابة المفرطة على المحتوى المؤيد لفلسطين.
بعض الموظفين الذين اعترضوا تعرضوا للعقوبات أو الطرد. أحد المصادر داخل قسم النزاهة في ميتا قال لـDropsite News إن مراجعات داخلية أظهرت أن غالبية المحتوى المحذوف لم ينتهك السياسات فعلياً.
اقتباس من موظف سابق في ميتا: “نحن نطبّق معايير مزدوجة. ما يتم حذفه من المحتوى الفلسطيني لا يتم حذفه عند نشر محتوى إسرائيلي مشابه.”
مجرد: سؤال مفتوح
اذا كان سكان العالم العربي يتجاوزون 450 مليون نسمة، ويشكلون كتلة ضخمة من مستخدمي ميتا، فكيف تستطيع دولة لا يتجاوز عدد سكانها عشرة ملايين أن تفرض رؤيتها على أكبر منصة تواصل اجتماعي في العالم؟
ولماذا لا نرى تمثيلاً مماثلاً أو آليات دفاعية للمحتوى العربي والفلسطيني؟
الخلاصة
تحقيقنا يكشف أن حياد ميتا ليس سوى شعار تسويقي. الشركة باتت لاعباً سياسياً فاعلاً يشارك — عن قصد أو بشكل غير مباشر — في تشكيل الرواية العامة للاحتلال الاراضي وقتل الفلسطيني.
وجود موظفة رسمية تمثلهم داخل ميتا، واستجابة شبه فورية لطلبات الحذف الإسرائيلية، وتقييد خوارزميات الوصول للمحتوى المؤيد لفلسطين، كلها مؤشرات على أن سياسات الشركة منحازة بشكل دموي.
هذه الحقائق تفرض على المجتمع الدولي والمستخدمين العرب تحديداً أن يعلمو ان الاعلام العالمي مجرد !!!.